
صالح الفوزان مفتياً عاماً ورئيساً لهيئة كبار العلماء
أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، الأربعاء، أمراً ملكياً بتعيين الشيخ صالح الفوزان مفتياً عاماً للسعودية ورئيساً لهيئة كبار العلماء ورئيساً عاماً للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير، بناءً على ما عرضه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
ويُعدُّ الفوزان رابع مفتٍ للبلاد خلفاً للشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي وافته المنية في 23 سبتمبر الماضي. وكان عضواً في هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمرتبة الممتازة منذ 1992، والمجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي، وفقاً للموسوعة السعودية الرقمية «سعوديبيديا».
وُلد الشيخ صالح عام 1935، ونشأ يتيماً، إذ توفي والده وهو صغير، والتحق بالمدرسة الحكومية في بلدة الشماسية عام 1950، قبل أن يكمل دراسته الابتدائية بالمدرسة الفيصلية في بريدة عام 1952، واشتغل مدرساً في المرحلة الابتدائية حتى افتُتح المعهد العلمي في بريدة عام 1954، فكان من أوائل الملتحقين به، وتخرج فيه بعد أربعة أعوام.
والتحق بعدها بكلية الشريعة في الرياض، وتخرج فيها عام 1961، ونال منها درجتي الماجستير والدكتوراه في تخصص الفقه. وله مشاركات منتظمة في الإصدارات العلمية، تتمثّل في بحوث وفتاوى ودراسات ورسائل، جُمع بعضها وطبع، وبعضها الآخر في طريقه إلى الطباعة.
ودرَّس الفوزان في المعهد العلمي بالرياض وكليتَي «الشريعة» و«أصول الدين»، ثم المعهد العالي للقضاء، ليعيَّن بعد ذلك مديراً له، واشتغل بالتدريس فيه بعد انتهاء مدة تكليفه الإدارية، قبل أن ينتقل إلى اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية.أخذ علمه الشرعي من أيدي عدد من العلماء والفقهاء، وعلى رأسهم مفتي عام البلاد السابق الشيخ عبد العزيز بن باز، الذي تلقَّى على يده علم الفرائض والمواريث في كلية الشريعة، وحضر دروسه ومحاضراته وجميع مجالسه، وعمل تحت رئاسته بدار الإفتاء، حيث استفاد منه في مجالات العلم الشرعية، والتثبُّت في الإجابة عن الفتاوى.والشيخ صالح هو إمام وخطيب ومدرس بجامع الأمير متعب بن عبد العزيز بحي الملز (وسط الرياض)، وعضو في لجنة الإشراف على الدعاة في الحج، وأحد المجيبين عن أسئلة المُستفتين في البرنامج الإذاعي «نور على الدرب».وله مشاركات منتظمة في الإصدارات العلمية، تتمثّل في بحوث وفتاوى ودراسات ورسائل، جُمع بعضها وطبع، وبعضها الآخر في طريقه إلى الطباعة، كما أشرف على رسائل علمية لطلاب الدراسات العليا بالجامعات السعودية، وتتلمذ لديه عدد من طلاب العلم الشرعي بحضور دروسه ومجالسه.
وكان المفتي العام السابق للسعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والذي كان يشغل أيضا منصب رئيس هيئة كبار العلماء، توفي نهاية سبتمبر الماضي وذلك عن عمر يناهز 82 عاماً.
وتزامنت وفاة آل الشيخ مع أكبر موجة تحول تشهدها السعودية، وذلك منذ الإعلان عن رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتقوم على أسس أبرزها الانفتاح غير المسبوق في المملكة التي لطالما نُظر عليها على أنها دولة إسلامية في القوانين والتشريعات والحياة الاجتماعية.
واستحدث منصب المفتي العام للبلاد، في عهد الملك عبدالعزيز مع تعيين الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الذي جمع سلطات دينية وقضائية واسعة. وشغل محمد بن إبراهيم مناصب وزير العدل، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس هيئة تعليم البنات، إلى جانب كونه المفتي، مما جعله رمزاً للمركزية الدينية حتى وفاته في 1969.
عكست هذه الهيمنة في المناصب، الشراكة التاريخية بين آل سعود وآل الشيخ، أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي كان إلى جانب الإمام محمد بن سعود في إعلان تأسيس الدولة السعودية الأولى.
ولكن وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم، أدت إلى فراغ في منصب المفتي، وحينها قام الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز بإعادة هيكلة جذرية. تضمنت إلغاء أو تجميد منصب المفتي العام، وتأسيس هيئة كبار العلماء في 1971 لتوزيع السلطة الدينية على مجموعة علماء، مما قلل من الاعتماد على فرد واحد.
كما أنشأ الملك فيصل الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، التي تضم اللجنة الدائمة للإفتاء كذراع تنفيذي للفتاوى اليومية.
توارث المنصب وابن باز استثناءعُيّن إبراهيم آل الشيخ، ابن المفتي الراحل محمد بن إبراهيم، رئيساً لهيئة كبار العلماء، والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، ولكن في عام 1992، وبسبب تحديات حرب الخليج الثانية وصعود ما يُعرف بـ”تيار الصحوة” الإسلامية، أعاد الملك فهد استحداث منصب المفتي العام لتوحيد المرجعية الدينية.
وعُيّن الشيخ عبدالعزيز بن باز، رئيس هيئة كبار العلماء آنذاك، مفتياً عاما للمملكة، مما عزز شرعية الدولة في مواجهة الخطابات المنافسة.
وفي ذات الفترة، أُسست وزارة الشؤون الإسلامية لدعم النفوذ الديني الموالي للسلطة. وبعد وفاة ابن باز في 1999، عُين الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتياً عاماً، مما أعاد المنصب إلى أسرة آل الشيخ.
وشهدت فترة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ منعطفات خطيرة في تاريخ المملكة، أبرزها “الحرب على الإرهاب”، مع نشاط تنظيم القاعدة في “جزيرة العرب” مطلع الألفية الجديدة.
وواجه آل الشيخ ومن خلفه هيئة كبار العلماء نمو التيار الجهادي في السعودية، كما أيد التيار الديني الرسمي لاحقا البطش بالمعارضين من الإسلاميين وغيرهم.
ومع وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، وإطلاقه “رؤية 2030″، كان المفتي وهيئة كبار العلماء أمام تحديات كبيرة، ففي حين لم يشرعنوا أو يفتوا بجواز حفلات هيئة الترفيه، أجازوا مسائل أخرى كانت محرّمة في السابق، مثل قيادة المرأة للسيارة وذلك عام 2017.
توزيع المناصب الدينية
يترأس المفتي العام، المُعين بأمر ملكي، هيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، ويمثل المرجعية الدينية العليا.
ويصدر فتاوى رسمية تمثل موقف الدولة، ويظهر في المناسبات الوطنية والدولية كرمز ديني، في حين تتولى هيئة كبار العلماء، التي أُسست في 1971 ويرأسها الملك شرفياً، مناقشة القضايا الاستراتيجية مثل السياسات الاقتصادية والطبية. وتصدر قرارات جماعية ذات ثقل تشريعي وأخلاقي، مما يقلل من الاعتماد على المفتي الفرد.
أما الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، فتُشرف على البحوث الدينية وتضم اللجنة الدائمة للإفتاء، التي تجيب على آلاف الاستفتاءات اليومية حول العبادات والمعاملات. وتعمل هذه الهيكلية على توزيع السلطة، مع بقاء المفتي في القمة إدارياً.
واللافت أن دولا إسلامية عملت قبل سنوات على إلغاء مسمى “المفتي”، إذ أسست الإمارات في 2018، مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي في 2018، برئاسة الشيخ عبدالله بن بيه، لتوحيد الفتوى ومكافحة التطرف.
وتقول الإمارات إن المجلس يضم علماء من مذاهب متعددة، ويصدر فتاوى مرنة تدعم التسامح والتنمية.
تمهيد مسبق
ألمح ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية عام 2022، إلى مضي المملكة قدما في التخلي تدريجيا عن نهجها الديني المتبع منذ عقود. إذ تحدث عن مراجعة جارية للأحاديث النبوية بزعم أن الأحاديث الصحيحة والمثبتة عن النبي عليه السلام لا تتجاوز المئة حديث.
في المقابلة ذاتها، همّش ابن سلمان دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي كان يُنظر إليه على أنه شريك في قيام السعودية، ووصفه بأنه مجرّد “داعية فقط”، من ضمن دعاة عملوا برفقة السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى.
تحدث ابن سلمان أيضا بوضوح عن تهميش دور هيئة كبار العلماء في اتخاذ القرارات المصيرية التي تحتاج إلى شرعنة فقهية لها.
وقال إن الشريعة تنص أن رأس المؤسسة الإسلامية هو الحاكم وليس المفتي، مضيفا أن وظيفة الإفتاء والعلماء هي “تقديم المشورة للملك”، وأن كلمة الفصل في أي أمر تعود للملك فقط.
وبرغم ذلك، فقد أيدت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء تصريحات ابن سلمان، واحتفت بها، معتبرة أنها “توضح النهج الراسخ للمملكة في سيرها على نهج الكتاب والسنة دون تعصب مذهبي”.
دلالة “يوم التأسيس”
في نهاية جانفي 2021، أعلنت السعودية إقرار ما يعرف بـ”ذكرى يوم التأسيس”، على أن يكون مناسبة وطنية في كل عام، موضحة أن يوم 22 فيفري من كل عام سيشير إلى هذه الذكرى التي تعود للعام 1727 ميلادي. وقالت الحكومة السعودية إن هذا التاريخ يشير إلى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، في تجاهل تام للرواية المتبعة لعقود مضت بأن تأسيس الدولة كان في العام 1744 عندما تحالف ابن سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
الكاتب عبد الله بن بجاد العتيبي، قال حينها إن إعلان يوم “التأسيس” هو بمثابة “انتصار الدولة لتاريخها، وإعادة الأمور إلى نصابها”. وتابع في مقالة بصحيفة “الشرق الأوسط”، بأن السعودية عانت من “انحياز بعض المؤرخين التقليديين عاطفيا للدعوة أو لشخص الداعية، وليس للدولة”، مضيفا أن بعض كتابات المؤرخين سابقا “كانت خاضعة لضغوط هائلة من مراكز قوة في المجتمعات تختلف بحسب كل لحظة تاريخية”.
وعلّق الكاتب تركي الحمد بأن اختيار “يوم التأسيس” هو “تأكيد على مدنية الدولة في جذورها الأولى، فقد جاء الشيخ إلى الدرعية مستنصرا وليس داعما أو مؤسسا، وهذا يحل كثيرا من الإشكالات حول طبيعة الدولة”. وأوضح في تغريدة أن “حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التطهرية (الوهابية)، أيديولوجيا دينية ساعدت الدولة السعودية الأولى في التوسع لا شك، وبعد ذلك انتهت مهمتها التاريخية، بمثل ما انتهت التطهرية المسيحية التي كانت أيديولوجيا بريطانيا وأمريكا حين التأسيس، واليوم انتهت هذه الضرورة وأصبحت جزءا من التاريخ”.
لا قدسية لأحد
المؤرخ والكاتب الصحفي البريطاني المهتم بشؤون الشرق الأوسط، أندرو هاموند، قال في تصريحات سابقة لـ”عربي21″، إن ابن سلمان سيلتزم بالأسطر العريضة التي وضعها، بأنه “لا يوجد عالم دين كامل، والزمن قد تغير، وآراء ابن عبد الوهاب ليست مقدسة”.
وتابع بأن ابن سلمان سينأى بنفسه عن استخدام مصطلح “الوهابية” الذي يرفضه أيضا أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كونه يستخدم كأداة تحريض من قبل خصومهم. ورأى هاموند أن ابن سلمان سيزيد من دعوته إلى حصر الفتاوى بالاستناد إلى القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة المسندة، وتجاهل الفتاوى الصادرة عن شيوخ المدرسة الوهابية، بحسب قوله.
وحول مسألة إلغاء الهيئات الدينية على غرار منصب المفتي، قال هاموند إن “العلماء يقولون ما يريده ابن سلمان، ويوافقونه على كافة قراراته، وبالتالي فلا حاجة له للاستغناء عنهم، وتعويضهم برجال دين آخرين”.
وبرغم ذلك، فإن هاموند لم يستبعد أن يقوم ابن سلمان بضخ دماء جديدة ومن مدارس شرعية لم يسبق لها دخول هيئة كبار العلماء.
وقال إن الملك عبد الله كان أول من سنّ هذا الأمر، إذ شهد عهده دخول مشايخ من غير السلفيين التقليديين إلى الهيئة.
وكانت السعودية لجأت خلال الفترة الماضية إلى تجنيس رجال دين من مرجعيات مختلفة، جلهم من العاملين مع الوزير السابق محمد العيسى في رابطة العالم الإسلامي التي تتخذ مواقف مغايرة منفتحة على الغرب، وتحديدا اليهود.



