
أعلنت غانا مؤخراً عن موافقتها على استقبال المرحلين من الولايات المتحدة من ذوي الأصول الأفريقية، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وأكد وزير الخارجية الغاني، صامويل أوكودزيتو أبلاكوا، أن القرار لا يمثل دعمًا أو تأييدًا لسياسات الترحيل الأمريكية، بل يأتي لأسباب إنسانية بحتة، مؤكدًا أن البلاد لم تتلق أي تعويض مالي أو منفعة مادية مقابل هذا التفاهم، وفق موقع “بزنس إنسايدر أفريقيا”.
وقال أبلاكوا إن المرحّلين، بمن في ذلك مواطنون من دول غرب أفريقيا الأخرى، سيخضعون لفحص أمني صارم لمنع دخول “المجرمين المتشددين”، مشددًا على أن الترتيب يستند إلى التعاطف الأفريقي والمبادئ الإنسانية وليس إلى اعتبارات سياسية.
واتخذت غانا، التي تبرز في المحادثات الأخيرة حول خطة الولايات المتحدة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى دول ثالثة، هذه الخطوة على غرار دولة إيسواتيني، لتكون من أوائل الدول الأفريقية التي تتعاون ضمن هذه الخطة المثيرة للجدل.
التحديات الإنسانية والقانونية للمرحّلين
رغم الطابع الإنساني للقرار الغاني، يواجه المرحلون تحديات كبيرة، حيث يحتمل أن يُعاد بعضهم إلى بلدانهم الأصلية، رغم الضمانات الأمريكية لحمايتهم من الاضطهاد أو التعذيب.
وقد أثارت عمليات الترحيل الأخيرة تساؤلات قضائية في الولايات المتحدة؛ حيث طالبت القاضية الأمريكية تانيا تشوتكان، الإدارة بتوضيح خططها لتفادي الإخلال بحقوق المرحلين، بينما رفعت منظمة الآسيويين الأمريكيين من أجل العدالة دعوى قضائية تطالب بتعليق خطة ترامب، مشيرة إلى أن 14 من المرحلين لم يكونوا من غانا، وأن خمسة منهم ليس لهم أي روابط مع الدولة المضيفة.
ووفقًا للشكوى، فقد نُقل بعض المرحلين سرًّا من مركز احتجاز في لويزيانا على متن طائرة شحن عسكرية، دون إخطارهم أو توفير تحضيرات مناسبة؛ ما يثير مخاوف جديدة حول سلامة وحقوق المهاجرين.
ويواجه أربعة من المرحلين خطر العودة إلى بلدانهم الأصلية، بينما تم بالفعل ترحيل أحدهم إلى غامبيا حيث اضطر للاختباء بسبب توجهه الجنسي.
ويؤكد المحامون الذين يمثلون المرحّلين أن السلطات الغانية ستراقب هؤلاء الأفراد عن قرب، مع توقع إمكانية إطلاق سراحهم خلال أيام بعد تقييم وضعهم الأمني والقانوني، في محاولة للتوفيق بين الالتزامات الإنسانية والمخاوف الأمنية.

تأثير خطة ترامب على أفريقيا
أثار برنامج ترحيل المهاجرين الأمريكي، الذي أطلقته إدارة ترامب، جدلاً واسعًا لأنه يتيح ترحيل الأفراد ليس فقط إلى بلدانهم الأصلية، بل أيضًا إلى دول ثالثة لا تربطهم بها روابط قوية.
ويسمح البرنامج لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) بتنفيذ الترحيل خلال مهلة لا تتجاوز ست ساعات؛ ما يثير مخاوف جدية بشأن الإجراءات القانونية الواجبة وسلامة المهاجرين.
وقد شملت الدول المشاركة ضمن هذا النظام العديد من الدول الأفريقية، مثل إيسواتيني ورواندا، التي وقعت اتفاقيات لاستقبال المهاجرين وفق هذه الترتيبات.
ويواجه القرار انتقادات دولية بسبب تحويل المسؤولية عن مشاكل الهجرة إلى دول أفريقية، غالبًا دون ضمانات كافية للمتضررين.
في هذا السياق، تسعى غانا إلى تحقيق توازن دقيق بين الالتزام الإنساني والواجب الإقليمي والحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
عبر بوابة غانا.. سياسات ترامب للهجرة تثير انقسامات وقلقا في “إيكواس”
فتحت غانا أبوابها للمهاجرين المطرودين من الولايات المتحدة، في بادرة جاءت في ظلّ تصاعد التوترات التجارية والدبلوماسية بين أكرا وواشنطن، وأثارت انقساما داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”.
ووافقت السلطات في غانا على استقبال مواطني غرب أفريقيا المرحّلين من الولايات المتحدة، بقرار من الرئيس جون دراماني ماهاما وباسم حرية التنقل الإقليمية.
جيران غانا في “إيكواس” استقبلوا هذه الخطوة بحذر، أما في شرق وجنوب أفريقيا، فالوضع أكثر غموضًا، إذ يُعاد لاجئون إلى بلدان لم تطأها أقدامهم في بعض الأحيان.
وقال رئيس غانا في مؤتمر صحفي بالعاصمة أكرا: “المُرحَّلون من غرب أفريقيا مقبولون لأن إخواننا وأخواتنا لا يحتاجون إلى تأشيرات لدخول غانا”.
وقد وصل أربعة عشر شخصًا إلى مطار كوتوكا الدولي في أكرا، بينهم نيجيريون وغامبي، قبل إعادة توجيههم إلى بلدانهم الأصلية.
وأكد الرئيس الغاني: “تواصلت الولايات المتحدة معنا ووافقنا على قبول مواطني غرب أفريقيا، لأن المنطقة مفتوحة للجميع”.
ولاقت هذه الحجة، التي تضع القرار في سياق التكامل الإقليمي، ترحيبًا من بعض وسائل الإعلام.
وأكدت صحيفة “ديلي جرافيك” اليومية الرئيسة في البلاد أن “غانا تمتثل لروح الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”، لكنها أشارت إلى خطر تزايد الضغوط من الولايات المتحدة لتحويل أكرا إلى مركز عبور.
وذهبت صحيفة “غانيان تايمز” إلى أبعد من ذلك، مشيرةً إلى “خيار استراتيجي محفوف بالمخاطر”، لأن “عمليات الطرد هذه لا تتسم دائمًا بالشفافية بشأن ملفات المهاجرين”.
توترات
ويراقب جيران غانا هذا التعاون بحذر، دون التعليق عليه علنًا، إذ تُعدّ هذه القضية حساسة سياسيًا في منطقة على وشك الانهيار.
وتشهد “إيكواس” أزمة حادة منذ رحيل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ما تسبب بتوترات سياسية وانعدام الثقة بين الدول الأعضاء.
يُضاف إلى هذا الانقسام، ضغط هجرة غير مسبوق، فالصراع والقمع في منطقة الساحل يدفعان عشرات الآلاف من اللاجئين إلى دول ساحل العاج وغانا وبنين وتوغو.
وتشهد غانا نفسها توترات داخلية تتسم بالصراعات العرقية بين قبائل كونكومبا ونانومبا ومامبرويسي في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، وهو ما يضع تماسكها الوطني على المحك.
ويؤدي هذا التراكم في الضغوط إلى تأجيج الخوف من تحول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى منطقة عازلة لمصلحة الولايات المتحدة، وعلى حساب التوازنات الداخلية الهشة بالفعل.
انتقادات من لاغوس
وفي نيجيريا، كانت النبرة أكثر صراحةً، إذ تشير صحيفة “الغارديان” المحلية إلى أن البلاد “تستقبل بالفعل تدفقًا كبيرًا من العائدين من ليبيا ودول شمال أفريقيا الأخرى”.
واعتبرت أن غانا تُخاطر “بتطبيع الاستعانة الأمريكية بمصادر خارجية لعمليات الترحيل”.
وذكرت صحيفة “بريميوم تايمز” أن “المسألة لا تتعلق بحرية التنقل فحسب، بل بمسؤولية الولايات المتحدة عن مصير الأشخاص الذين غالبًا ما يكونون عرضة للخطر”.
ويأتي هذا القرار في سياق تشدد المواقف الأمريكية إزاء قضية المهاجرين، فمنذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تكثّفت عمليات طرد المهاجرين غير النظاميين، بما في ذلك نقلهم إلى “دول ثالثة”.
وبعد إرسال مهاجرين إلى بنما والسلفادور وجنوب السودان، تم التواصل مع عدة دول أفريقية.
وفي يوليو تموز، أُعيد خمسة مهاجرين إلى إسواتيني، وثمانية إلى جنوب السودان. وفي اوت ، قبلت رواندا سبعة مُرحّلين وتعهدت باستقبال ما يصل إلى 250 شخصًا.
وانضمت غانا إلى هذه الحركة، على الرغم من إصرار ماهاما على أن مبادرته تظل مقتصرة على مواطني غرب أفريقيا فقط.
وفي كثير من الحالات، لا تربط هؤلاء المهاجرين أي صلة بالبلد المضيف، وبعضهم سجناء سابقون قضوا عقوبتهم في الولايات المتحدة، يجدون أنفسهم محتجزين مجددًا عند وصولهم، في ظروف غامضة.
ويثير نظام “الترحيل إلى دول ثالثة”، الذي يُمارس بتكتم، مخاوف منظمات حقوق الإنسان، التي تُدين “العقوبة المزدوجة” المفروضة على الفئات السكانية الضعيفة أصلًا.
ويأتي الاتفاق بين غانا والولايات المتحدة في الوقت الذي رفعت فيه واشنطن بعض الرسوم الجمركية على المنتجات الغانية من 10% إلى 15%، في سياق يُعد فيه برنامج قانون النمو والفرص في أفريقيا “أغوا”، الذي كان يمنح وصولاً تفضيلياً إلى السوق الأمريكية، “منتهياً من الناحية الفنية”.
وأقرّ الرئيس ماهاما يوم الأربعاء بـ”توتر” العلاقات بين أكرا وواشنطن، وشدد على ضرورة سعي غانا لتنويع صادراتها، خاصةً إلى الصين.
وكشف الرئيس الغاني جون ماهاما في أول مؤتمر صحفي له منذ توليه السلطة عن تلقي بلاده طلبًا من واشنطن لقبول رعايا طرف ثالث تم ترحيلهم، مشيرًا إلى أن الاتفاق يشمل فقط مواطني غرب أفريقيا، حيث وصلت الدفعة الأولى المكونة من 14 شخصًا، بينهم العديد من الإخوة النيجيريين.
وتضع هذه الخطوة غانا ضمن مجموعة من 12 دولة تتعاون مع واشنطن بشأن إزالة المهاجرين، ما يعكس التوازن الحذر الذي تسعى إليه الدول الأفريقية بين الالتزام بالمعايير الإنسانية والحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، التي تشهد فترة رئاسة ترامب الثانية تصعيدًا في سياسات الهجرة، والتعريفات الجمركية، وفق موقع “ذا أفريقيا ريبورت”.
حروب التعريفات الجمركية
لم تقتصر تصريحات ماهاما على الهجرة، بل تناولت أيضًا التأثيرات الاقتصادية لتوجهات ترامب، خاصة انهيار قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، الذي كان يوفر امتيازات تصديرية للدول الأفريقية.
فقد فرضت الولايات المتحدة تعريفة جمركية 15% على صادرات غانا، بدلًا من صفر، ما دفع البلاد للبحث عن أسواق بديلة، لا سيما في الصين، التي أصبحت نقطة جذب رئيسة وسط الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.
كما تناول الرئيس الغاني مسألة الديون وضرورة تنويع الأسواق، مؤكدًا أن بلاده ليست في عجلة للعودة إلى أسواق رأس المال الدولية، وأن البحث عن فرص في السوق الصينية يمثل خيارًا إستراتيجيًا لضمان النمو وسط ضغوط اقتصادية دولية.
على الصعيد الداخلي، شكل المؤتمر الصحفي فرصة لطرح قضية الفساد، حيث أعلن ماهاما أن أكثر من 200 حالة تخضع للتحقيق، مع استجواب نحو 80 مسؤولًا سابقًا وبدء العديد من الملاحقات القضائية، مؤكدًا التزام حكومته بالعدالة والمساءلة: “إصرارنا على اتباع النهج الصحيح قد يُخفف عن الذين نهبوا هذا البلد بعض المعاناة مؤقتًا، لكنه لن يمنحهم نجاة دائمة”.
سياسية الهجرة الصارمة
خلال فترة ولاية دونالد ترامب الثانية، ركزت الإدارة الأمريكية على سياسة هجرة صارمة، تضمنت ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى دول ثالثة، بما في ذلك العديد من الدول الأفريقية.
وتهدف هذه السياسة، المعروفة جزئيًا باسم “برنامج المرحلين من طرف ثالث”، إلى إعادة توطين المهاجرين الذين تم رفض طلباتهم في الولايات المتحدة، بدلاً من إعادتهم مباشرة إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان الدولية بسبب مخاطر التعرض للاضطهاد في بعض الحالات.
في هذا الإطار، وافقت مجموعة من الدول الأفريقية على استقبال المرحلين ضمن اتفاقيات تعاون مع واشنطن، بهدف الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، مع مراعاة بروتوكولات حرية التنقل الإقليمية.
ومن أبرز هذه الدول غانا ورواندا، حيث استقبلت رواندا أول دفعة من سبعة مرحلين في اوت 2024، بينما بدأت غانا، مؤخراً، في استقبال دفعات تشمل مواطني غرب أفريقيا، مثل النيجيريين، ضمن ترتيبات تتماشى مع بروتوكول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
تسعى هذه الدول، بما في ذلك أكرا وكينشاسا وأبيدجان، إلى تحقيق توازن دقيق بين الامتثال للضغوط الأمريكية وتجنب الانتهاكات المحتملة للاتفاقيات الدولية، خاصة فيما يتعلق بحقوق المهاجرين وحمايتهم من الترحيل القسري إلى بلدان قد يواجهون فيها المخاطر.
وتعد هذه الخطوة جزءًا من ديناميكية أكبر تبرز التحديات التي تواجهها الحكومات الأفريقية في إدارة سياسات الهجرة وسط ضغوط من القوى الغربية، مع السعي للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية الإقليمية.
Please follow and like us:




