الرئيسيةتونس اليوم

رحلة العذاب” من تونس إلى السجون الليبية… شهادة مهاجر غيني عن البيع والابتزاز

أوقفت الشرطة التونسية أوغوستان (اسم مستعار) برفقة نحو 50 مهاجرا من دول أفريقيا جنوب الصحراء، قبل أن تسلمهم إلى القوات الليبية عقب ساعات من التنقل عبر الصحراء. هناك، تم احتجازهم في سجن بضواحي طرابلس، حيث اضطر أوغوستان، وهو مهاجر غيني يبلغ من العمر 33 عاما، لدفع 800 يورو مقابل إطلاق سراحه. رغبةً في إيصال معاناته، تواصل مع فريق مهاجرنيوز لمشاركة تجربته.
بمجرد الدخول إلى بلد ما، يأمل المهاجرون في العثور على حياة أفضل، لكن لم يكن ذلك هو الحال مع المهاجر الغيني أوغوستان الذي وجد نفسه معتقلا من قبل الشرطة بالقرب من ولاية صفاقس (وسط شرق تونس) مع مهاجرين آخرين. الشيء الذي شكل منعرجا في حياته.
“عندما اعتقلوني بالقرب من صفاقس ، أجبرني رجال الشرطة التونسيون على الصعود إلى حافلة مع آخرين تم اعتراضهم في البحر. كانت الحافلة ممتلئة، كنا حوالي 50 شخصا، من بينهم نساء، إحداهن كانت حاملاً، وطفلان يبلغان حوالي عشر سنوات. كنا جميعا مكبلي الأيدي، بلا استثناء، حتى الأطفال.
خلال الرحلة التي دامت لساعات في الصحراء، تم تفتيشنا وسلب كل ممتلكاتنا منا، أموالنا وهواتفنا. كما تعرضنا للضرب بمجرد التحرك أو محاولة تغيير وضعيتنا بسبب ألم الأصفاد وحتى بسبب رفع الرأس للنظر إلى وجهة الحافلة. عندما توقفت الحافلة بعد فترة، أمضينا الليل في معسكر على الطريق. وقدم لنا التونسيون قطعة خبز وزجاجة ماء سعة 1.5 لتر ليتقاسمها كل ثلاثة أشخاص – فقط الأطفال والمرأة الحامل حصلوا على قطعة خبز لكل منهم.”
يستمر أوغوستان في حديثه وهو متأثر بحادثة إيقافه قائلا:
“داخل الزنازين، كنا محشورين، لم يكن هناك مكان للاستلقاء. البعض تمكن من النوم جالسًا، أما أنا، فلم أغمض عيني طوال الليل. كنت أفكر في أشياء كثيرة، وشعرت بالخوف. هذه كانت أول مرة أتعرض للاعتقال. لكنني سمعت أن المهاجرين يُتركون على الحدود مع الجزائر، فاعتقدت أن هذا ما سيحدث لي. كنت قلقًا، لأنني أعرف أن عبور الصحراء أمر شاق ومتعب للغاية.”
طفلة صغيرة بين ذراعي والدها، تُركت في الصحراء في مكان ما على الحدود التونسية الليبية، في يوليو 2023. المصدر: DR
طفلة صغيرة بين ذراعي والدها، تُركت في الصحراء في مكان ما على الحدود التونسية الليبية، في يوليو 2023. المصدر: DR
” في صباح اليوم التالي، صعدنا إلى الحافلة مجددا وسافرنا طوال اليوم بدون أي طعام. حوالي الساعة 20:00 أو 21:00، وصلنا إلى الحدود الليبية. لم أكن أعرف الموقع الدقيق لأن الجو كان مظلما وكنا في قلب الصحراء. اعتقدت أننا سنمضي الليلة مرة أخرى في معسكر. لكن، خرج رجال الشرطة التونسيون من الحافلة وذهبوا للقاء ميليشيات ليبية كانت في انتظارنا. دار بينهم نقاش قصير، ثم جاء الليبيون، كانوا مسلحين ومقنعين، واستلمونا منهم (من التونسيين).”
بعد استلامهم من قبل الليبيين، وصل المهاجرون إلى سجن تاجوراء الذي يقع في الضاحية الشرقية لطرابلس، وهو مركز احتجاز رسمي يديره جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية التابع لوزارة الداخلية الليبية. وفي عام 2019، تعرض المركز لقصف نُسب إلى قوات المشير خليفة حفتر، الذي يتنازع السلطة في ليبيا مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 مهاجراً.
إن ظروف الاحتجاز في هذا المركز قاسية للغاية، حيث يتم تكديس المهاجرين في زنازين ضيقة ولا يحصلون إلا على القليل من الطعام. كما تتعرض النساء للاغتصاب بشكل متكرر. في عام 2021، روت سارة، وهي مهاجرة إيفوارية تبلغ من العمر 19 عاما، لموقع مهاجرنيوز تفاصيل العنف الذي تعرضت له في سجن تاجوراء، قائلة:
“في إحدى الليالي، جاء الحراس وأخذوني إلى غرفة صغيرة، جردوني من ملابسي. كنت أقول لهم لا أريد، لكنهم صفعوني. ثم قاموا باغتصابي وأعادوني إلى زنزانتي. كل ليلة، كان الحراس يأتون ويأخذون بعض النساء”. ونتيجة أحد هذه الاعتداءات أنجبت سارة طفلاً في السجن.
لإطلاق سراح المهاجر الغيني أوغوستان، تم إعلامه من قبل الحراس في أحد الأيام أثناء مجيئهم لزنزانته، بضرورة دفع 800 يورو. فهو يعتبر الحل الوحيد لاسترداد المهاجرين حريتهم. فوفقا لقوله “ظل العديد من المهاجرين محتجزين في السجن، لأشهر بسبب عدم توفر المال للخروج.”
مهاجرون يتكدسون داخل مركز تاجوراء في ليبيا. المصدر: رويترز
مهاجرون يتكدسون داخل مركز تاجوراء في ليبيا. المصدر: رويترز
بعد ثلاثة أسابيع، تمكن الشاب من جمع المال بمساعدة عائلته. وبعد إطلاق سراحه، أخذ استراحة لفترة قصيرة في منزل في طرابلس يديره مهرب ليبي، ولكن الرحلة لم تنته. فلقد قرر العودة إلى تونس.
“بعد شهر، قررت العودة إلى تونس بمساعدة المهرب، مقابل 600 يورو، حيث كنت أرغب في الانضمام إلى شقيقي الذي بقي هناك. مررنا عبر غرب ليبيا ثم الجزائر للوصول إلى تونس. لكن بمجرد وصولي إلى الأراضي التونسية، لم تنتهِ معاناتي، بل استمرت المشاكل”.
“تاكسي-مافيا”… أسلوب الاختطاف الجديد في تونس
عند الحدود التونسية، ركب المهاجر سيارة أجرة ولكن تفطن فيم بعد بأنه وقع ضحية ما يعرف باسم “تاكسي-مافيا”. تُعرف “تاكسي-مافيا” بأنها سيارات أجرة يقودها تونسيون، يقوم بعضهم بخداع المهاجرين وإيهامهم بأنهم سينقلونهم إلى المدينة، لكنهم في الواقع يبيعونهم إلى شبكات من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء المقيمين في تونس منذ فترة طويلة. يتم احتجاز الضحايا وتعذيبهم حتى يدفعوا مقابل حريتهم.
في العام الماضي، جمع فريق مهاجرنيوز عدة شهادات حول عمليات اختطاف وابتزاز مشابهة، تُنسب إلى مواطنين كاميرونيين.
“لقد باعني السائق لمجموعة من الكاميرونيين. عندما وصلت إلى صفاقس، في حي بن سعيدة، خرج رجال من منزل وأجبروني على الدخول. كان هناك بالفعل ثمانية مهاجرين آخرين محتجزين. بعضهم تعرض للتعذيب: كانت لديهم آثار حروق وندوب وأسنان مفقودة. أخبرني أحدهم أن السجّانين اقتلعوا أسنانه. كانوا يصورون عمليات التعذيب ويرسلون مقاطع الفيديو إلى عائلات الضحايا لابتزازهم ودفع فدية مقابل إطلاق سراحهم”.
في الأخير نجوتُ من العنف لأنني تمكنتُ من جمع 400 يورو بسرعة، بمساعدة بعض الأصدقاء في تونس. عدتُ للعيش في حقول الزيتون بالقرب من صفاقس وأنا الآن غارق في الديون. بسبب ما حدث لي، أصبحت مدينا للكثير من الأشخاص”.

 

Please follow and like us:
fb-share-icon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *